قصة قصيرة للكاتبة چيهان جمال
قصة قصيرة للكاتبة چيهان جمال


«خُلقنا لنحيا» قصة قصيرة للكاتبة چيهان جمال | غزة

صفوت ناصف

الإثنين، 30 أكتوبر 2023 - 09:01 م

نهار غزة..

وثمة مشاعر كانت تُخبر العابرين أن هناك من لازال يقاوم جدار فارض سطوته، وعزلة فرضت الرضوخ لواقع قاتل مرير، وعلى الرغم من أن اليوم عادياً، ولم يُخبر بقدوم أي شيء غير عادي فهم من صاحبوا الموت، وصوت الرصاص إلا أن قلبهَا ظل قلقاً، ولم تعرف أن تتجاوز تلك المشاعر.. لذلك قررت بعدما تنهي عملها كمراسل لعدة قنوات إخبارية أن تخرج لفناء البيت القريب من مخيم الشاطئ.. فتبدو ابتسامتهَا حزينة؛ وهي تنظر للفناء الذي جرحت الكثير من جدراه أيادي العدو الغادر المغتصب.

تأخذ العصا، وتُمسكها بيدهَا ثم راحت تنادي اولاد أختهَا "مصرية" لتلعب معهم ذات اللعبة المتوارثة عن الجد الأكبر منذ العام ١٩٤٨؛ وكما كل مرة تستدعي الحنين ليبقى مشهد الجد، وأبناءه بذاكرة القلب كما كان يصوره لها والدها ويعيده عليها وعلى اخوتها تاركاً الآثر الأعظم.

تُحدث أبناء أختها الذين التفوا حولها بذات الحديث

- طبعاً كلنا عارفين إن مصر يا حبايبي هي أول وأقوى ضلع لحماية ضهر فلسطين، وعشان كده هنفضل أهل وعزوة.. أيه رأيكم لو كل واحد منكم مِسك العصاية دي لوحدها، وفجأة دخل عليه حرامي عشان يخطفهَا منه،

ايه اللي هيجرى ؟!

فيجيبوها جميعاً ..

- لو واحد مننا لوحده قاوم الحرامي أكيد العصايا هتتكسر؛ ولو استسلم أكيد هتتسرق .

- طيب ولو كلكم يا حبايبي جمعتوا العصيان في حزمة واحدة، ولفيتوا إيديكم بقوة حواليها؟

 - أكيد إننا هنقدر نحمي العصيان، وهنكون أقوى من الحرامي.

تنتهي اللعبة لتفيق "غزة" على أن "داوود" اتصل بها لعدة مرات.. فتلوم نفسها أن استغراقها مع أبناء أختها أنساها موعده.. فتتصل عليه سريعاً، ويتقابلان لاختيار أثاث بيت الزوجية.

تعتذر له على طريقتهما الخاصة.. فتسمعه بعض من أشعار "محمود درويش "الشاعر الفلسطيني الأكثر قرباً من القلب والذي ربط بين قلبيهما.

ثم تأتيها أخبار على هاتفها الجوال أثناء جولتهم مفادها أن حركة حماس قامت بهجمات مفاجئة على إسرائيل.. وكذلك أتت تلك الأخبار "داوود" فقررا العودة فوراً.

القاهرة..

ببيت صغير بإحدى مدن القاهرة الجديدة يحاول

 "رشيد" أن يثنيهَا عن ترك بيت الزوجية؛ وألا تتدخل في إرثه العائلي، والذي يرفض فيه رفضاً قاطعاً رأي اخوته بضرورة البيع... لكن زوجته ترى أن مبلغ البيع الكبير سوف يعود عليهم بفائدة كبيرة لوقوع البيت بإحدى مدن سيناء الساحلية.

تغلق "هاجر "حقيبتها، وقبل أن تهم بحمل طفلتهَما، وتمضي.. تأتيه رسالة على الواتس اب.. فتتوقف لتعرف ممن تكون تلك الرسالة، وتنظر إليه نظرة عتاب شديد.

فيهز رأسه قائلاً:

 -مش اخواتي "يا هاجر" والله ما عارف هتبطلي كلام مع إخواتي في الموضوع ده امتى يا حبيبتي .. عموماً ده استدعاء من الشغل.. الله يهديكي خليكي في بيتك.

وقبل أن يودعهَا تأتيهَا رسالة على الواتس اب تبلغها فيها " غزة " ابنة خالتها أن تفتح التلفزيون على الشبكات الإخبارية.

فلسطين -غزة

تتصاعد الأحداث بشكل مأساوي مخيف، وتتحالف أمريكا ودول أوربية مع إسرائيل، ويصل الأمر أن ثلث ضحايا العمليات الإسرائيلية من "الأطفال "غير الخوف الذي يلازم مشاعر الأحياء منهم.

تضع" غزة " الوسادة فوق أذنيها كي لا تشعر بصوت الانفجارات فلم تعد تفعل أي شيء سوى انتظار الموت والاستماع للأخبار، وإرسال التغريدات.

يُقتل " داوود " مع عدد كبير من أبناء غزة في قصف غير انساني للمستشفي التي يعمل بها.. ثم تُقصف أجزاء كبيرة من شمال غرب غزة؛ وتهدم المنازل؛ ويبقى القتلى بالآلاف تحت الأنقاض والخوف بتردي الأحوال وانتشار الأوبئة، وكذلك يُهدم بيت الأجداد، وتنجو " غزة" مع ابنة اختها "مصرية "التي قتلت مع بقية ابناءها.

 

٢١ أكتوبر ٢٠٢٣- رفح المصرية

من بعد تعنت وتوقف لشاحنات المساعدات والذي دام لأيام تم فتح معبر رفح أبوابه لدخول أول شحنة مساعدات مصرية ليقف "رشيد" بين رجال مصر وسائقي الشاحنات البواسل ليأمنوا توالي الشاحنات من مصر ، ومن بقية دول العالم ..بعدما ظلت الأوضاع بغزة متردية من بعد نفاذ الأدوية والطعام والشراب وإلى ما غير ذلك من متطلبات انسانية عاجلة .

 

٢٧اكتوبر ٢٠٢٣

 

تبقى غزة، وابنة اختها الشابة بالجزء المتبقي من بيت الأجداد لتُرسل رسائلها الصارخة عبر السوشيال ميديا كلما سنحت الفرصة بعودة الاتصال إذ تأزم الأمر وصار أكثر وحشية من جرائم "النازية" فالقصف، والقذف بجنون بالأحزمة النارية صار اكثر فظاعة على الشمال الغربي، ومخيم الشاطئي إلى أطراف بيت لاهيا

ليتوالى القصف برا، وبحرا، وجوا ولم تصمت بعد أصوات الانفجارات، ولازال قطع الاتصال لمنع وصول جرائمهم البشعة.. في ذات الوقت تعالت اصوات كثيرة مؤثرة لتخاطب العالم بلغات متعددة.

ويتلقف الشباب الواعد العربي والأجنبي من أصل عربي رسائل كثيرة وڤيديوهات تفضح العدو الصهيوني ومن بينهم "غزة" ليشير كل شيء.

فتقول غزة..

لا عدالة دولية ولا اعتراف بشرعية يعطي الحقوق لأصحابها.. فنحن بأسواء ليلة يقصفنا فيها العدو الصهيوني بالتدخل البري والإبادة.

نحن جيل ضمن أجيال سبقت فمِنا من ولد ليُباد بالقنابل؛ ومِنا من كبر على أبواق الحناجر؛ ومِنا من يؤمن اننا كُتبت لنا النجاة لأنه لن يضيع حق وراءه مطالب.

 

اسمي "غزة "ولدت قبل ٢٣ عاما بنهار الثلاثين من سبتمبر الحزين حين قامت الدنيا مع ثالث ايام انتفاضة الأقصى لاستشهاد الطفل "محمد الدرة "في بث مباشر على مسمع؛ ومرأى من العالم كله؛ ولأن الحياة ليست عادلة سُرعان ما نفض العالم يده فقعدت الدنيا، واستراحت كما السابق؛ ومن قبل العالم توارى رب بيتنا؛ لذا لم يستطع احد أن يُحاسب عدونا الصهيوني على ما فعله، ولا زال يفعله بنا !

وظللنا كما الأجداد نعيش الكابوس بكل يوم؛ وليلة منذ الورقة البالية التي خط فيها السيد بلفور وعد بإقامة وطن قومي لليهود في بلدنا فلسطين.. لتخط دفاتر الأيام أننا الأرض المستباحة؛ والشعب المستباح !

بعدما كنا اصحاب الأرض، والدولة التي كان ازدهارها الاقتصادي قبل مولد إسرائيل على أرضنا يُحاكي العالم عبر صناعتنا المتعددة واليدوية الحرفية. فكانت البضائع الفلسطينية التي تلف العالم عبر ميناء حيفا، وكانت مبانينا الأنيقة، وحدائقها الغناء الواسعة، وكان المسرح ودور السينما، وحفلات أم كلثوم، وكانت محلات الوروود ، ونحن أصحاب الزيتون والتين والعنب، والأشجار المثمرة التي كان جدي يمتلك الكثير منها قبل أن يحرقها له الصهاينة.

ثم تُكمل الحكايا ، وكيف أن الصهاينة قتلوا بدم بارد ابيهَا المراسل الصحفي منذ ستة عشر عاما مع بدء الحصار .

تتوالى الحكايا كذلك عن اخيهَا الشاب، والذي كان عائلهم من بعد استشهاد الأب بست سنوات حين أنهى يومه الدراسي بالجامعة، وخرج على متن قارب صيد مع زوج اختها، وبعض من اهالي غزة منذ عشر سنوات ليستهدفوا جميعاً من قبل الصهاينة.

تبكي وتقول، وهكذا صرنا بلا عائل كمثل الكثيرين من أهل فلسطين وغزة اصحاب الفقر المتعدد الأبعاد.. فنحن المذنيون دون جرائم؛ والمسجونون دون جرائم بمعتقلات أطلقوا عليها مسمى "الحصار" كل جريمتنا أننا نقاوم، ونُباد حتى هذه اللحظة.

 

فجر يوم جديد..

لم تصدق غزة أنها وابنة أختهَا على قيد الحياة من بعد ليلة قصف وإبادة متوحشة صارخة ليأتيهَا طيف " داوود" مبتسماً.. فتواصل تغريداتها بالحكي عنه، وكيف أنه على مضض وافقها بعدم الإنجاب لرفضها إن يصير فلذة كبدها "مشروع شهيد "فكم أوجع قلبهَا هذا المسمى، وأطفال فلسطين الملقنين الشهادة وهم بأرضهم يرزقون الحياة.

وهي تحب الحياة، وتقاوم بقلمها الحُر الذي لا يكل أن يترجم مقالاتها وينشرها.. كما كان يقاوم داوود بإنقاذ الأطفال والنساء والرجال من الموت بعمله كطبيب .. لتعاودها ابتسامة داوود وشعر محمود درويش

 

على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ

على هذه الأرض سيدةُ الأرض

أم البدايات.. أم النهايات

كانت تسمى فلسطين

صارتْ تسمى فلسطين

سيدتي: أستحق الحياة لأنك سيدتي

أستحق الحياة، وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة